شعر يا صاحب المعطف الابيض

يا صاحب المعطف الأبيض

يا صاحب المعطف الأبيض:
أكرمك الله بهذا المعطف ليدلك على نقاء السحب، طهارتها، أن شقّ لون معطفك من لونها؛ ذلك لتؤمن أن السحب تسكب نقاء، فاسكب من نقاء قلبك معاني رحمة وإحساس وشعور إنساني لهذا الذي أتاك أعياه الداء، وآمن أن ذلك لن يكون إلا إذا تفجر نبع الإحساس من ذاتك لتؤمن أن الإنسانية التي حولك تحتاج لطبِّ شعورك كوصفة علاج مع الدواء والحقن.
يا صاحب المعطف الأبيض:
هل تعلم كيف ينصع بياض معطفك بروح طهارةٍ جذابة، ذاك لا يكون إلا من أعماقك، من فؤادك المطهر، فإن عمرته إيمانا، وغسلته توبة، وجلوته بالاستغفار بين حين وآخر، حينها ينفذ من روحك إشعاع نور يسحر الأنظار من حولك، فلا تكن حامل معطف ملوث بقاذورات الفؤاد؛ فمحال لمعطف أكرمك الله به أن يشف بأنواره الخفية، وينفذ منه بريق الطهر، وأعماقك معتمة؛ فإن المعطف تحمله ولا يحملك، ترتديه وتمضي بين الناس، تكبرك عيونهم إن كنت تقيا نقيا، وتزدريك عيونهم إن كنت مضيعا لحق الله في حياتك؛ فمن أين للناس أن تقدرك وتحترمك، وأنت ما احترمت قدرك في الحياة.
يا صاحب المعطف الأبيض:
لا تكن ذاك الذي يخط الوصفات، من بعد تشخيص الحالات، يرشد للدواء، ويعالج من الناس السقم وهو عليل,اجعل طبك في روحك أولا، وفي فؤادك، وفي فكرك؛ فقد رأيت إعجاز الله في خلقه، تجلت لك الآيات، وآمن أنك مهما قدمت للناس من وصفات علاج ستبقى تئنُّ في الأعماق، أنين الروح، وأنين القلب، وأنين الفكر، وأنين الضمير، اجعل لذاتك صيدلية إيمانية، فاليد المباركة، والعين التي يبرق فيها نور إجلال الله، يسري في علاجها مفعول الأعماق، مع الأخذ بالدواء، وإن لم تنجح يوما في الدواء، بقي سحر علاجك الخفيّ بردا وسلاما على النفوس.
يا صاحب المعطف الأبيض:
لا تقف أعلى البرج وأنت تعالج الناس، وآمن أن قطرة الدواء التي تسكبها من الأعلى كثيرا ما تنحرف عن مسارها؛ لتسقط على أرض الأذية في النفوس؛لإن عالجت عضوا خلّفت بقعة احتراق في الإحساس في قلب الإنسان.
يا صاحب المعطف الأبيض:
آمن أنك إن تواضعت لله رفعك، والذي وهبك هذه النعمة قادر على سلبك إياها، وتذكر أن دوام النعمة بالشكر.. فاجعل من شكرك لله جزء في معاملتك مع الآخرين.
يا صاحب المعطف الأبيض:
آمن أن عالم الطبّ ليس جلّ العلم، وتذكر على قدر ما أعطاك الله يكن حسابك، ورب شخص تزدريه قدره عند الله أعظم.

يا صاحب المعطف الأبيض:
عقّم روحك وأعماقك من ميكروبات الأخلاق السيئة،
ورب دعوة مريض بحسن خلق ترفعك عند الله عليين.
يا صاحب المعطف الأبيض:
للعلم طريقان، إمّا أن يفتح نوافذ قلبك ، ينطلق بروحك وفكرك في آفاق المعرفة، وإما أن تحمل العلم أسفارا، إما أن يلامس هذا العلم قلبا حيا فيوقظ فيه الشعور ليبحر في بحر العلم فيزداد إيمانا، ينظر بعيونه الأربع في الحياة عيون البصر والبصيرة، هنا تخشع الجوارح، تُستصغر الذات أمام عظمة الله، يخفق الفؤاد بمحبته إجلالا وتمجيدا، هذا هو العلم الحقيق، وما أمرّ حال الذين يحملون العلم أسفارا!! أتحمل العلم وأنت خاوي الأعماق من معرفة هدف خلقك في الحياة
" المعرفة الأولى" وغاية وجودك في الوجود وهي رضوان الله، فاصعد جبال العلم وإياك أن تكون جبالك من جليد تذيبها حرارة شمس الحقيقة، لترى ذاتك على أرض ذاتك من غير ذاتك التي ضيعتَ مع مر السنوات والأيام.. ألا فلا تجعلها عجافا، واجعلها سمانا بنور معرفتك لمن براك وسواك.
يا صاحب المعطف الأبيض:
ها قد رأيت رحلة الإنسان بين الميلاد والميعاد، توقفت هنا وهناك أمام هذا الإنسان الذي خلقه الله، ولخلق السموات والأرض أعظم، فهذا علم من علوم.. فكيف بالله العليم، أوتضيع حقه؟!
يا صاحب المعطف الأبيض:
إن العلم المقرون بالإيمان يشف بقلب الإنسان حتى يحيله كالزجاج تنفذ منه إشعاعات الأنوار للعالمين، كما يسمح لأنوار السماء أن تنفذ إلى روحه، ويعكس ألوان الحياة.
يا صاحب المعطف الأبيض:
لا تجعل اعتياد سماعك صوت الأنين من المرضى يقسّي قلبك؛ فالقلب المؤمن لا يقسو بل يرقّ، ولكن اجعل من صوت الأنين ناقوس ذكرى لنعمة العافية، فالحياة دوران، اجعل الأنين هو المنبه لنسيان نعمة حمد الله، أقبل بروحك وقلبك وفكرك وشعورك على مريضك قبل سماعتك، فماذا عساها أن تهب السماعة إذا تبلد الإحساس وإن وهبت.
يا صاحب المعطف الأبيض:
دائما بين المريض والطبيب نرى سد نظرة الأفضلية الذي يمنع استجابة المريض لهذا الذي يحدثه ويشخصه ويهبه الدواء من وراء السدّ،
تذكر قوله تعالى: ( إنَّ أّكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم).. منهاجنا الرباني, وتذكر ( الناس سواسية كأسنان المشط).. منهاجنا النبوي.. فترفق بمرضاك يا من أكرمت بالمعطف الأبيض.. ودم للمعطف الأبيض.